يونس

تجريبي

Pages

حديث الدبلوماسية في التصعيد الأممي على سوريا

عنوان الموضوع الثاني

وصف الموضوع الثاني .. هذا القالب من تعريب عثمان بن الطالب صاحب معهد خبراء بلوجر - لا تنسوا زيارتنا

عنوان الموضوع الثالث

وصف الموضوع الثالث .. هذا القالب من تعريب عثمان بن الطالب صاحب معهد خبراء بلوجر - لا تنسوا زيارتنا

عنوان الموضوع الرابع

وصف الموضوع الرابع .. هذا القالب من تعريب عثمان بن الطالب صاحب معهد خبراء بلوجر - لا تنسوا زيارتنا

عنوان الموضوع الخامس

وصف الموضوع الخامس .. هذا القالب من تعريب عثمان بن الطالب صاحب معهد خبراء بلوجر - لا تنسوا زيارتنا

الاثنين، 9 سبتمبر 2013

وحدة متابعة الأحداث: حديث الدبلوماسية في التصعيد الأممي على سوريا






وحدة متابعة الأحداث/ قبيل صدور تقرير المحققين الدوليين ، بدت الجهود الدبلوماسية لأطراف النزاع السوري متسارعة الخطى صوب إيجاد تسوية سياسية من شأنها أن تجنب المنطقة سيناريو حرب إقليمية بدت تتجلى مخاطرها الإنعكاسية، بُعيد وقوعها، في تقدير كثير من المراقبين والمسؤولين الحكوميين، وكل ذلك في ظل مؤشرات تجعل من إحتمالية المضي في أي القرار للحرب بعيدا عن نفعية التوسل بالوسائل السلمية لحل النزاع ، خيارا مكلفا للغاية.
تدرك أطراف النزاع جيدا خصوصا الكبرى منها، أن أي حرب إقليمية ستكون مكلفة للجميع، التكلفة ستكون سياسية بالنسبة لروسيا الإتحادية وهي لن تقبل من موقعها الدولي أي هزيمة في هذا الجانب، خصوصا وأنها باستخدامها لمكانتها السياسية في الأروقة الأممية لتعطيل أي قرار مدين للنظام السوري قد أكسبتها هيبة ونفوذا سياسيا لم يتحقق لها في الجوانب الأخرى التي تتنافس فيها مع الأطراف الدولية الكبرى، وعليه فأي تصور يفترض أن تسمح فيه روسيا بتجاوز ردعها السياسي ، مع أي حملة دولية ضد سوريا، بدون رد استراتيجي من جانبها، تصورا سرياليا بعيد التوقع. كذلك الأمر بالنسبة للولايات المتحدة، ستكون الحملة مكلفة لها من جانب النتائح العسكرية الممكن أن تؤدي إليها، في ظل حالة اللايقين التي تطبع المشهد الإستراتيجي للمنطقة وكذا متغير مواقف أهم اللاعبين في مجالها الإقليمي، وكل هذا  إلى جانب إحتمالية أن تجري متغيرات استراتيجية ناجمة عن العمل العسكري المحدود في غير صالح الإدارة الأمريكية، الأمر الذي سيدفعها مستقبلا ل"اتخاذ تدابير ضرورية" غير محسوبة لمعالجة الوضع" من شأنها أن تهدم توقع واشطن السياسي  وتخلط حساباتها العسكري في الأزمة.
وبالنظر إلى تطابق الإرادات السياسية بين روسيا وواشنطن في جانب رفضهما لإستخدام السلاح الكيماوي في النزاع السوري وتعبيرهما الصريح عن فداحة واقعته وتأثيرها على مصالحهما القومية، فيبدو من المفهوم اليوم وبناءا على تلك التقديرات، كيف بدت لغة خطاب الأطراف السياسية تجنح في أجواء الإستعداد للحرب إلى الحديث عن خيارات دبلوماسية.

 حل الأزمة السورية "سياسي" وليس "عسكريا".

الولايات المتحدة الأمريكية بقدر ما تعي خطورة توجيه ضربة عسكرية بحق النظام السوري، يهمها أن تجني ثمار نجاح حملتها الدولية لمعاقبة نظام الأسد، خصوصا وأنها تلقى دعم غالبية أعضاء المجتمع الدولي بما فيها معظم الدول الإقليمية في النزاع.  لذلك نجد نوعا من الحزم في عزم واشنطن توجيه ضربة عسكرية حتى مع احتمالية رفض الكونغريس الأمريكي إعطاء إدارة أوباما موافقته على هذا الخيار ، وكذلك نوع من الحذر تلفه لهجة سياسية مقابلة تشي بعدم ممانعة الإدارة الأمريكية بالمضي في حلول سلمية لمعالجة أزمة "السلاح الكيماوي"، إن إستجابت دمشق من جانبها لإملاءات الإدارة الأمريكية، أوضحها جون كيري في قوله:
 ‘إن تسليم الرئيس السوري بشار الأسد أسلحته الكيميائية يجنّب سوريا ضربة عسكريةنحن مستعدون لمراجهة توجهنا إذا حصل وسلم الرئيس السوري بشار الأسد جميع أسلحته الكيميائية للمجتمع الدولي دون أي تأخير خلال الأسبوع القادم. وإن كنا على ثقة بأن الأسد "لن يفعل ذلك". ( جون كيري ) 
فمسألة التدخل لدى واشنطن مرتبطة أساسا بتحييد السلاح الكيماوي من معادلة الصراع الدائرة في سوريا ولا علاقة لها بغرض إنهاء النزاع الذي تطلب معالجته مجموعة من العوامل أهمها العامل السياسي، يضيف كيري :
"في النزاع السوري ليس هناك حل عسكري، لكن أي حل سياسي يحتاج أطرافا مستعدة له" (جون كيري ) 
أما موسكو، فترغب من جهتها تجنب ضربة أميركية على سوريا واللجوء إلى الوسائل الدبلوماسية لحل الأزمة، ومن ثم فهي تسعى لتوجه المواقف الدولية إلى هذا الخيار بالتصعيد ثارة والترغيب ثارة أخرى مصرة على إيجاء حل سلمي لتحييد السلاح الكيماوي و المضي في تسوية سلمية موعدها مؤتمر جنيف2 لتقريب وجهات النظر بين الأطراف. وقد بدا تأثير روسيا على مواقف النظام السوري واضحا في هذا الجنب، هذا الطرف الذي أصبح يتحدث عن استعداد دمشق اللامشروط لتجنب أي عمل عسكري على النظام السوري، وذلك بالتعاون مع الأطراف الدولية في جانب شبهة "استخدام السلاح الكيماوي". هذا ما عبر عنه وزير الخارجية وليد المعلم في لقاءه مع نظريره الروسي، قائلا:
إذا كانت ذرائع الحرب (التي تهدد بها الولايات المتحدة) هي استخدام الكيميائي فإن الجهود الدبلوماسية في هذا الصدد لم تستنفد،  فدمشق ستتعاون مع موسكو بشكل كامل في هذا الخصوص" ( وليد المعلم وزير الخارجية السوري ) 

حديث في التسوية في غياب طرف ثالت

وفيما يسعى الأطراف إلى إيجاد سبل تسوية لأزمة "السلاح الكيماوي السوري"، يبدو من الملح إعادة النظر في الكيفية التي يؤخذ بها الحل السلمي للنزاع. فمع درجة تصلبية مواقف الأطراف إلى جانب حجم التصعيد الحاصل في لهجة الإنتقاد السياسي المتبادلة يجعل من الصعب الحديث عن وجود بيئة ممكنة لإستنفاذ الحلول السلمي قبل الحكم على نجاعته.
وهنا سيكون من المناسب لو تدخلت أطراف ثالتة للعب دور الوسيط السياسي لحل الأزمة السياسية والإنسانية التي انحصر عن جذريتها النزاع السوري. يمكن هنا أن تشكل ألمانيا طرفا ثالثا مناسبا لقيادة أي تسوية سياسية مقبلة، فالأكيد أن الدولة ليست من صنف الدول المحايدة بل لها مواقف سياسية ومحددات في سياساتها الخارجية، لكن من موقع ما لعبته من أدوار وساطة في حل أزمات إقليمية ودرجة النجاح الذي حققته والقبول الذي حضيت به كوسيط من قبل جميع الأطراف، إلى جانب المكانة السياسية والإقتصادية التي تحتلها ألمانيا داخل الإتحاد الاوروبي وخارجه، فيمكن أن تشكل طرفا أساسيا في معادلة أي تسوية سياسية قادمة، وإن كانت الأجواء السياسية التي تعيشها ألمانيا في الراهن،  تدفع بالحزب الحاكم إلى تقليص تركيزه على مواضيع السياسية الخارجية لصالح الشأن الداخلي الألماني في سعي منه لحشد الدعم الشعبي لتعزيز فرصه الإنتخابية.

وتبقى في النهاية، التسوية السلمية رقما لازما في معالجة الأزمة السورية بغض النظر عن السيناريوهات الممكن أن تعصف بمشهد النزاع، فلا يمكن في النهاية معاجة صراع شديد التعقيد والترابط كالصراع السوري بتدابير بسيطة حتمية في مأخذها الإستراتيجي، بل من اللازم على الجهود المبذولة أن توازي ذاك التعقيد بتعقيد مقابل، تكون الدبلوماسية في أبسط تجلياته ماضية جنبا والحلول العسكرية الزجرية كلما دعت الضرورة إليها.      

الأحد، 8 سبتمبر 2013

ليست هناك طريقة مثلى لقتل الشعب السوري !




في السابع والعشرين من شهر اب/أغسطس من هذا العام، ظهر ممثل سورية الدائم في الأمم المتحدة د. بشار الجعفري في 
برنامج الإذاعة السورية ‘دومينو السياسة’، متحدثا بتفصيل عما يجري الإعداد له أمميا من مساع دبلوماسية لحشد دعم دولي للحملة المعتزم القيام بها ضد النظام السوري. وكشخص، كما يبدو دائما، واثقا من مصادره المعلوماتية ومطلعا بالممارسة على خبايا العمل الدبلوماسي، قابضا بإحكام على وجهة مساراتها، فقد أفاض في حديثه للقناة وعموم متابعيها عن مدى إفلاس القيم الأخلاقية في العمل السياسي للدول الكبرى، المحاضرة اليوم في شأن الالتزام بالمواثيق الدولية في حملتها ضد النظام السوري في شبهة استخدامه للعوامل الكيميائية أثناء مجهوده العسكري ضد المعارضة، وهي التي، والحديث انسحب على الولايات المتحدة أساسا، لم تفصح للمجتمع الدولي عن نية الالتزام بمعايير تطالب غيرها بالالتزام بها، على أساس أن الولايات المتحدة، لم تصادق بعد على معاهدة حظر الأسلحة الكيميائية لسنة 1993.
كثير مما قاله السفير عن سياسة الكيل بمكاييل متغيرة الضوابط، التي تقارب بها الدبلوماسية الدولية أزمات العالم، صائب لا جدال فيه، لكن كثيرا من النقاط التي حشرها في خطابه الدعائي ضد الموقف الأمريكي الجاري ضد النظام الممثل له، لا تعدو أن تكون فبركة على طريقة دبلوماسية لا يحظر توصيفها أي توان في اعتبارها ساذجة المأخذ.
على عكس ما ذكر السفير، فالولايات المتحدة وقعت على اتفاقية حظر استخدام الأسلحة الكيميائية، منذ عرضها على الدول قصد الانضمام سنة 1993، واستغرق الأمر منها 4 سنوات لتقرر المصادقة عليها، وبالتالي دخولها، وهذا الميثاق في رابطة دولية التزامية سنة 1997، عكس سورية، إلى جانب بعض الدول الأخرى كمصر وإسرائيل، التي لم توقع بالأصل على الصك الدولي إلى الآن. لكن ما ينبغي أن يكون معلوما للجعفري والكثيرين، أن الولايات المتحدة بقدر ما كانت صاحبة اليد البيضاء في تقديم مشروع قانون هذه المعاهدة، والمساهمة في تأسيس هيئتها الدولية التي تحمل اسم ‘منظمة حظر الأسلحة الكيماوية’، التي يقع مقرها في لاهاي، كانت وفي المقابل صاحبة التاريخ الأسود، كغيرها من الدول الكبرى، في استخدام السلاح الكيماوي في مجهودها الحربي ضد شعوب أمم كثيرة، كما في العبث باختصاصات المؤسسة الأممية ذات الصلة والسعي الدؤوب إلى السيطرة على منافذ ومخارج صناعة القرار بها، من دون أن يستوجب ذلك إدانة وامتعاض المجتمع الدولي.
لا يتعلق الأمر هنا بسعي نحو التشويش على مشهد قادم يبدو لدى الكثيرين بسيطا لا يتطلب إلا حملة عسكرية، كما أُعلن عنها مؤخرا، تسرع من وتيرة معركة الحسم في سورية وتطوي معها، ما يَنتظر الشعب السوري من أيام عصيبة على طول امتدادها، أو بالسعي نحو إضفاء قتامة أخرى على سيناريو مقبل يُتخوف من أن يساهم في خلط أوراق الصراع من جديد، على نحو خارج توقع أطرافها. إنما الأمر متعلق هنا وعلى وجه الأساس، بتحجيم هذه الالتفافة الأممية ووضعها في مقاسها الحقيقي إنسانيا، والتي لم تأخذ من جانب أطرافها صنوف الإهانة التي تعرض لها كل ما هو ‘إنساني’ في النزاع السوري، محمل الجد والقلق، إلا حين دخول أسلحة الدمار الشامل في مساراتها الدامية.
فلدى الولايات المتحدة كدولة داعمة للتدخل، التي يذكر التاريخ استخدامها للسلاح الكيماوي بتطرف في حروب طويلة خاضتها في فيتنام ولاوس وبنما ثم كوبا وصولا إلى العراق، أو دولة كروسيا المعارضة له، التي استخدمت ذات السلاح في جبهات عدة، كان آخرها في مأساة مسرح دوبروفكا (2002) أثناء عملية تحرير رهائن روس من قبضة مقاتلين شيشانيين، لدى دول كهذه، من الاعتيادي أن يموت ما يزيد عن 100 ألف شخص، من جراء حرق حراري تقليدي، من دون أن تُصعد المواقف، لكن الشيء الجسيم جدا لديها أن يموت عدد يتراوح تقديريا بين 500 وألف شخص من جراء استنشاق غازات سامة، لتهتز مواقفها على نحو تصعيدي. فالمسألة تقديريا لدى الدول الكبرى، لا تتعلق بكم المعاناة بل بكيفيتها، ويظهر مقت هذا التمييز حين يتكشف في ترجمته العملية، بانه يعني في أساسه، التدخل لحماية الأمن الإستراتيجي القومي للدول المتدخلة، لا الأمن الإنساني للشعب السوري.
فلم تكن الدول الغربية لتفكر في تجاوز ولاية مجلس الأمن الدولي، حتى لو راح الملايين من السوريين ضحية حروق الأسلحة التقليدية، لأنها في النهاية أسلحة محدودة النطاق، ويكفيها بذلك أن تقتصر على قتل من بالداخل السوري، حتى لا يعيد المجتمع الدولي النظر في خياراته الرتيبة تجاه استخدامها المفرط، لكن حين يتعلق الأمر بأسلحة الدمار الشامل فالمسألة مختلفة، للتباين الحاصل في نطاق أثرها، الذي يمكن أن يمتد على نحو أكيد ليهدد الأمن والمصالح الإقليمية – القومية للدول المتدخلة، وليس بالضرورة لأن استخدامها ضد المدنيين عمل ‘جسيم في لاأخلاقيته’ كما عبر عن ذلك مسؤولون غربيون.
فلو كان ما هو أخلاقي وازع إلى هذه الدرجة، لما انتظر المجتمع الدولي ما يقارب العامين ليقرر عقاب النظام السوري على ‘جرائم ارتكبها’، راح من جرائها آلاف الضحايا. فليس ثمة في النهاية طريقة مثلى لتدمير الحياة البشرية، ولا مواقف قياسية للحديث عما هو غير أخلاقي أو جسيم في ذلك، حتى يتعاطى المجتمع الدولي مع العذابات الإنسانية للشعب السوري بهذه الانتقائية، بغض النظر عن سببها، أكانت من جراء سلاح تقليدي أو آخر للدمار الشامل.
إنه مع أي حملة عسكرية قادمة على سورية، ستتضح على نحو جلي هذه النقطة المُتحدت عنها، وسيتضح معها حجم تلك الهوة (اللاأخلاقية) الحاصلة بين الحرص على الأمن الإنساني للشعب السوري والحرص على الأمن القومي للدول المتدخلة، على نحو فعلي بعيدا عن إنشائيات السياسية وفصل خطابها التنميقي. وكيف يمكن، إن لم تقدم الدول المتدخلة ضمانات جدية على محدودية وانتقائية عملها العسكري القادم، أن تكون مجزرة الغوطة الشرقية، حادثا غير ذي ذكر مع حجـــم الكــــارثة التي يمـــكن أن يولدها عمل دولي غير مسؤول على الأراضي السورية.
إن مع السعي إلى وضع المصلحة القومية للدول المتدخلة في الحرب القادمة في صدارة الأولويات، كما عبر عن ذلك الرئيس أوباما مؤخرا، ومن بعده نظيره الفرنسي في تبرير عزم بلادهم توجيه ضربة لسورية، أن يعني تلقائيا تموقع الاعتبارات الإنسانية للشعب السوري في درجة صفرية. ومع تدخل سيكون على شاكلة حملة جوية، فمعنى ذلك أن تؤدي عمليات القصف الاستراتيجي قبل كل شيء إلى تدمير المنشآت المدنية والصناعية، من دون أن تضرّ بالقدرات العسكرية للدول المتدخلة. ومع ما تفرضه قواعد غالبية القوات الجوية المشاركة في الحملة، ممارسة القصف من علو شاهق (أعلى من 5 آلاف متر ) حماية للطيارين من الدفاعات الأرضية، فمن الوهم معها التمييز من هذا العلو بين المدنيين والعسكريين، أو التدقيق في الضربات التي ستستهدف المراكز المفترض أنها منشآت صناعية تابعة للنظام السوري لإنتاج أو تخزين العوامل الكيميائية. 
وعنده سيكون من الكافي أن تستخدم الدول المتدخلة أسلحة تقليدية في تدمير تلك المواقع الصناعية الخطرة، في ظروف الحملات الدولية الصارمة، لتحدث كارثة كيميائية أخرى لن يُذكَر مع جسامتها كل تاريخ استخدام هذا السلاح بالأراضي السورية بطول فتراته، على شاكلة النتائج الكارثية التي شهدها عراق اليوم منذ قصف القوات الدولية سنة 1991 لموقع ‘التاجي’ للأسلحة الكيميائية، وصربيا عام 1999 حين قصف حلف الناتو مجمعاتها البتروكيماوية في ‘بنسيفو’، محررة بذلك مواد شديدة ‘السّمية’ في الهواء، كان لها أبلغ الأثر على بيئتها الطبيعية والبشرية على سواء.
إن الحديث عن شن حملة عسكرية محدودة لتجفيف منابع السلاح الكيماوي حماية للمدنيين السوريين، شبيه بالحديث عن حدث القاء قنبلة في مستودع للمتفجرات بموقع مأهول واللوذ بالفرار. هذا ما يدركه الغرب تماما ولا يريد الاعتراف به في سعيه لحشد الدعم لتوجيه ضربات داخل سورية، فالكل من منطلق أمنه القومي مستعد للذهاب أبعد من الدماء السورية لأجل خلاصه، وما بقي لهذا الشعب الجريح ليرثي إنسانيته بصدق، إلا أصوات لطالما آمنت بأن الحل السياسي السلمي من جميع الأطراف هو الكفيل بإنهاء فصول الصراع والدماء والضياع المتعاقبة على سورية، وكثير منها من لم يسعه إلا أن يعيش معه تجربة الضياع في ظل حجم الاستقطاب السياسي حول مشهده، لكن تظل داعية إليها بالنظرة إلى المستقبل من الأيام وما يمكن أن تحمله معها من مآس كثيرة قد تصل بالأزمة السورية، كما هو شأن المرتقب من الحملة، إلى نقطة اللاعودة، تزف فيها، مع وحشيتها ولا مسؤوليتها، كل أحلام المتخاصمين إلى مثواها الأخير. 

الاثنين، 8 يوليو 2013

قيلت صراحة في مصر.. فليسقط حكم القانون


يونس الغايسي

في ظل حالة اللايقين التي تطبع المشهد المصري، لا يملك المرئ في ظل ضبابية أجوائها السياسية المشحونة إلا أن يبحث عن نقطة ثبات يقف عليها  ليسترد ما بقى له من أنفاس وشعور وذاكرة بدت حماسة الثورة المستمرة تفقدها مساراتها وتعبث بجغرافيتها. فبدونها بدا التاريخ القريب بالنسبة إلى أي مصري مسلسلا لا ينتهي من الإنقطاعات والطفرات صوب تصويب ثورة لا يعرف منها إلا بدايتها وبعض من دماء وتضحيات أبنائها، فيما المستقبل الموعود لم يعد عنده  أكثر من مجرد حلم تخالط بكابوس لحظات ثورة متحولة لا تنتهي سناريوهاتها الدامية.
قد يكون من الصعب إيجاد نقطة ثباث في خضم المشهد السياسي الحالي، بل المشهد السياسي المصري منذ ثورة 25 من يناير، فأبناء الحرية بالأمس الذين صنعوا تاريخهم الديمقراطي بوحدتهم وتماسك عقيدته التحررية بدو اليوم متصارعين وفي حالة استقطاب جذرية بما فرقتهم انتماءاتهم وولاءاتهم الإيديولوجية الضيقة.وكل منهم بدا في سعي إلى إقصاء نظيره وفي جهوزية للخوض في سبيل خسارته ,أكثر من ربحه هو,في لعبة صفرية غير مأمول من ورائها إلا الفناء المتبادل لكل الأحلام التي خطتها تجربة التحرر والتغيير الديمقراطيين التي عرفتها البلاد.
لكن أمام هذه الأوراق التاريخية والسياسية كما الأمنية المتخالطة في المشهد المصري والتي زادها تبعثرا إعلان المجلس العسكري في مصر حل سلطات رئيس منتخب باستحقاقات ديمقراطية وفق توقعات لايمكن أن يحكم على مدى واقعيتها إلا بما ستؤول إليه حالة البلاد أمنيا، فقد بدا لازما إيجاد نقطة أكثر ثبات وأكثر معقولية من غيرها يمكن من عليها تقديم قراءة أقرب إلى الواقع وأبعد بقدر الإمكان عن التقديرات الغائية.
إن أكثر نقاط ثباتا في المشهد المصري، والتي قد لا يتفق عليها كثيرون، هي لحظة الإعلان الدستوري الصادر في نوفمبر من العام 2012 الذي نسخه استحقاق الاستفتاء على الدستور الذي شهد الجميع على نزاهته، وما أنتجته من تفاعلات واستجابات متباينة بين متهم  للسلطة، بما حمله الإعلان من صلاحيات ، بمحاولة تكريس ديكتاتورية في لبوس ديمقراطي، وناصر للإعلان الرئاسي ابتغاء ما يعده من أهداف مسطرة تبقى أهمها إنصاف ضحايا ثورة يناير وتحقيق العدالة الإنتقالية بالبلاد.
ففي ما أتى به من صلاحيات تجعل من سلطة الرئيس واسعة موجهة لما أسماه المناصرون، حماية المؤسسات المنتخبة من فساد أجهزة ومؤسسات وطنية لم تحين الثورة رجالها وتقس مدى خدمتهم لأهدافها، وكثير من رجالها يؤدون مسؤوليات تمتد من حقبة النظام السابق وعلى رأسهم مؤسسة النائب العام، وجدت المعارضة فرصة أخرى، قَوّتها حصيلة الإنتخابات الرئاسية المتقاربة، لتتمركز في لا مركزية مكونها – الثوريين غير الإسلاميين، واللبراليون وأنصار النظام السابق ومن هم في إختلاف مع حكم الإخوان- لتحشد ضد ما أسمته بالإنقلاب على مكتسبات الثورة، داعية السلطة الرئاسية إلى التخلي عن هذا المسار اللاديمقراطي الهدام لتوقع المصريين. وقد قدمت المعارضة في سبيل إسقاط الإعلان الدستوري ما أسمته خيارات أكثر ديمقراطية تراعي حكم القانون وسيادته، وغرض تطهير مؤسسة القضاء واستتباب النزاهة فيها، من خلال وضع قوانين تنظيمية جديدة تؤطر عمل السلطة القضائية بالبلاد.
إن هذا الإختلاف الذي عبرت عنه مواقف الفرقاء السياسيين و أطرته بالأساس لغة تُجادل في الثابت من الثورة ومسعى دسترتها ألا وهي لغة القانون والسعي إلى ابتغاء الأسباب الموجبة لسيادته، كانت مسارا مؤسسا لبداية الصوابية في المشهد السياسي المصري، خصوصا وأن جوهر أزمة البلاد لم تكن في غياب الحكمة السياسية أو العوامل الظرفية المواتية للمضي قدما بالأوضاع إلى بر الإستقرار، فكل هذه العوامل يمكن أن تنضج شرط أن تجد أرضية صلبة تؤسّس عليها، إنما المشكلة في غياب هذه الأرضية التي تمثلها سيادة القانون حين تكرس في ممارسات سياسية ومطالب تحفظ قدرا معقولا من أصول المعاملة الديمقراطية.
وبدل ان تتعزز تلك المطالب القانونية للمعارضة، لتسرّف في نقد بناء للعوامل الهدامة لحالة اليقين ولجسر الثقة بين مؤسسة القانون والمخاطبين بها بعد أن تآكلت في ظل حالة الاحتقان السياسي بالبلد ، تحولت  المطالبات القانونية بإلغاء الإعلان الدستوري وما تمخض عنه من صلاحيات وممارسات إلى مغالطة ديمقراطية أحدت فيها التحول السياسي الذي أشرف عليه الفريق الأول "عبد الفتاح السيسي" نذوبا في المشهد السياسي المصري أعمق من تلك التي قد أحدثتها إعلانات أو خيارات رئاسية غير صائبة، سقط الإخوان ضحيتها قبل غيرهم.
لقد كان من الممكن، مع خصوصية الشأن المصري، أن تتعايش المطالب القانونية مع الخيار التمردي للمعارضة، كان معقولا جدا ومن المريح لوضعها السياسي أن يكون مخرج الأزمة المصرية كما مدخلها : قانونيا ديمقراطيا وفي إطار توقع كل الأطراف السياسية بكل كياسة وحنكة، بدل أن تنتهي الأوضاع بهذا الشكل التراجيدي، وخصوصا بعد مجزرة فجر الثامن من يوليو 2013 وما ذهب ضحيتها من أبرياء، على النحور الذي انهارت معها نظرية "أخف الضررين" واهتز معها حكم القانون وهيبة مؤسسات الأمنية للدولة، التي أضحى مستقبلها الوطني على المحك.
إن في غياب أرضية القانون والإحتكام إلى سيادته واستحقاقاته الديمقراطية، وتبخيسه على النحو الذي جرى في إعلان الثالث من يوليو 2013، خسارة للمأمول من الدولة المصرية التي بدت تتآكل هيبتها لتصبح على شاكلة الدول التي يكتب على بابها" تنبيه: قد يكون هذا البلد خطرا على صحتك" ! فمن دونها أضحت مصر القوية التاريخية في عصرها الثوري دولة فاشلة  رمادية متخبطة في مسارها التحولي ومفتقرة إلى الدرجات المعقولة من اليقين السياسي الذي معه تتعزز قدرة البلد الإقتصادية والتنموية وتنتعش في حالتها قطاعات ناهظة بأوضاعها السوسيواقتصادية.
وتبدو المشكلة بأي حال، في حال مصر،  ليست فقط في أن يلغي "العسكر" تجربة ديمقراطية مشهود بها، وهو مطلب كان حاضرا مرجحا من شخصيات سياسية معارضة كالدكتور البرادعي منذ أزمة الإعلان الدستوري حين عبر عن تطلعه بما اسماه لعب الجيش ل"دوره الوطني" حين تخرج الأوضاع عن السيطرة،  بل على نحو أكثر رمزية، أن تكرِّس له الممارسة المستحدثة بعد ثورة تطلب التغيير والقطع مع الممارسات السابقة التعسفية، سلطة رمزية في البلاد موازية بل ومهيمنة على إرادة شعبية مقررة في أرقى تكريس لها، مع أن ما جرى قد أثبت افتقار المؤسسة العسكرية للحنكة السياسية وتميّز القيادة الجديدة بالإرتجالية الاستراتيجية في قراءة الأوضاع، حين سقطت في فخ الإنحياز لطرف دون آخر بتقدير غير دقيق لما أسمته إرادة شعبية لم تتحقق، رغم أهميتها، إلا في مشهد إعلامي اضطلعت في تغطيته سياسة دعائية متحيزة لا يخف الكثيرون مدى الدور الذي لعبته في تضخيم مشهدها، تذكرنا بذات السياسة التي انتهجت بنجاح أيام مصدق 1953 وعلى نحو انعكاسي مع حكم شافيز 2002.
إن الفكر الديمقراطي الأصيل الذي تحدث عنه الفريق الأول عبد الفتاح السيسي وكرسه في ممارسة لايمكن اسقاط مفهوم الإنقلاب عنها، قد قوبل بردود أفعال ناقدة لعقيدته حين بدت معها سيادة القانون بالوطن خارج التقدير. فقد عبرت الأمم المتحدة صراحة عن قلقها من التحول الذي عرفه المشهد المصري بعد تعليق القوات المسلحة العمل بالدستور وما تلى ذلك من ممارسات تضييقية على الحريات الشخصية  والعامة بالبلد، محذرة من عواقب اتخاذ السلطات الأمنية، في غياب سلطة القانون، إجراءات انتقامية لا ديمقراطية في حق أي فصيل سياسي قد يكون لها تداعيات مجتمعية مدمرة. فيما علق مجلس الأمن والسلم بالإتحاد الإفريقي عضوية مصر بالمنظمة إلى حين عودة العمل بالنظام الدستوري، وهو قرار يندرج فيما درجت المنظمة على اتخاذه تجاه الدول الإفريقية الفاشلة بعد تعطل العمل بالدستور في  بلادها. هذا في ظل اتخاذ الاتحاد الأوروبي موقفا غامضا ممايجري في مصر يشي بالكثير، خاصة لو قسناه بموقف الاتحاد  الصريح الذي عبر عنه حين أيد في تجربة شبه مماثلة إعلان الجيش الجزائري  في سنة 1992 الإنقلاب على المسار الديمقراطي الذي بدا ينتخب الإسلاميين إلى سدة الحكم.
إنه لمن المستحيل أن يتم الحديث عن بديل للمشهد السياسي المصري دون أن يكون حجره الأساس تعزيز سلطة القانون وسيادته بين المجتمع. فلا يمكن للثورة أن تستمر وتحفظ مكاسبها إلا بدسترتها واستثمارها في الثابت من المجريات المتحولة فيها، والثابت المراهن عليه هنا، الذي افتقدته الثورة المصرية، تكريس ثقافة إحترام القانون والجنوح إليه في تسوية الخلافات بين فرقاء، أو كما يسمى تحويل النضال السياسي إلى مطالب قانونية. ويبدو من دون ذلك المستفيد والرابح الأكبر هي المؤسسة الأمنية المصرية التي كان من الموعود أن يتم إعادة هيكلتها بعد تجربة ثورة 25 من يناير وهو ما لم يتم في ظل الصراع السياسي الذي خاضه الفرقاء من جهة وسعيهم كل مرة إلى استقواء بهذه المؤسسة أو الأخرى على حساب متطلب صناعة الأمن الوطني وتجديد عقيدته الأمنية كما كان مأمولا. 
لما كان القانون هو علم  جبر الأمن، كان حقيقا به أن يكون الرقم المفقودة في معادلة اللايقين السياسية التي تشهدها مصر في لحظتنا والمطلوب لإعادة التوازن إلى وضعها الأمني، ودون اتخاذ سبل للرجوع إلى حكم القانون كأولوية في ظل الظروف الأمنية والإقتصادية الإجتماعية التي تعيشها مصر لتصحيح المسارات والخيارات السياسية، فلا ينتظر من الثورة في استمرارها في غياب نقطة ثباب توازن مسيرها، إلا أن تفقد مكاسبها إن لم تتحول مع كل طفرة أو انقطاع سياسيين إلى تلوين آخر، وفصل آخر من فصول عبث جارح بتاريخها الحضاري والثوري.  
 08/07/2013


الأحد، 9 ديسمبر 2012

حَـالات ! أحمد مطر




بالتَّمادي

بالتَّمادي
يصير اللِّص في أوروبا
رئيــس النَّوادي
وبأمريكا
زعيما للعِصابات وأوكارِ الفسادِ
وبأوطاننا التي من شَرعِها
قَطع الأيادي
يُصبِحُ اللِّصُ
... رئيـسَ البِلادِ !
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الجمعة، 6 يناير 2012

المغرب الرابح الأكبر من الحراك العربي..



يونس الغايسي

يمكننا بعد انتخابات 25 تشرين الثاني/نوفمبر وما أسفرت عنه معادلتها السياسية من نتائج بدت مقبولة إلى حد كبير في الوسط السياسي والمجتمعي المغربي، أن نقر بأن النظام المغربي قد قطع شوطا مهما في سبيل الانتقال بفكرة 'الاستثناء المغربي' من الفرضية السياسية إلى الحقيقة العملية، واستطاع 'بجدارة'، ليس فقط أن يزيل 'صخرة الثورة' التي أسقطت انظمة وأثقلت كاهل أخرى ولا تزال، بل أن يحولها من بوثقة هدم وسقوط إلى علامة امتياز ونجاح النظام في اختبار 'تجربة الثورة' ونجاح نموذ جه التغيري، الذي أضحى نموذجا قابلا للتصديرا عربيا وعالميا، وهو ما بدت معالمه تظهر على خارج حساب سنة 2011.
المغرب الذي أضحى عنوان الاستقرار في المنطقة العربية، السياسي منه والاقتصادي والمالي، كان الرابح الأكبر من الحراك العربي بمقاييس ومعايير عربية ودولية، بتقارير ودراسات أممية، وبقرارات وخيارات هيئات عالمية، أجمعت على ان المغرب لم يعزز مكانته السياسية في ظل أزمة الانظمة العربية وحسب، بل أمن وحدد بخياره 'الديمقراطي الفريد'، المستقبل السياسي للدولة المغربية بنظام قادر على تجديد نفسه، وبمجتمع لُقن جيدا درس وفصل الحدود بين متطلبات الشعب وضرورات الاستقرار، حتى لدى أكثر الحركات الإحتجاجية راديكالية 'حركة 20 فبراير'.
هذه المسارات المتخذة والخيارات المستنفذة، أنتجت لنا في النهاية معادلة مغربية مستقرة، اكتملت مع اكتمال الشطر الثاني من 'التحول الديمقراطي' المغربي وما أفرزته نتائج انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر الأخير، وما انتهى إليه الأمر، بنذر حكومة محافظة تعبر إلى حد ما عن خيارات وآمال شريحة مهمة من شعب متطلع إلى نموذج لا يتزلق الى فوضى جيرانه ولا يتطرف بالمقابل في بعده عن تطلعاته. هذه المعادلة فتحت امام المغرب آفاقا اقليمية ودولة، اقتصادية وسياسية، يمكن ان تعزز مكانة المغرب داخليا وتدعم مجهوده الاصلاحي، كما صورته خارجيا وما تحمله من عوائد جيواستراتيجية مهمة، ليكون بالتالي اللاعب المركزي في المنطقة الذي علب على كل المحاور، ليخرج منها بمكاسب في بعضها، وبماء وجهه في بعضها الآخر.
أهم هذه العوائد، أن أصبح المغرب،في ظل أزمة الحراك العربي، بموجب تقارير ودراسات وخيارات استراتيجيي العالم، وجهة أساسية لاهم الاستثمارات الأوروبية والعربية في سنة 2011 بحيث عرف نموا في هذا القطاع يقدر بـ 15' عن سنة 2010 فيما سجل في نفس السنة أزيد من 100 مشروع استثماري، كما شهد وسيشهد قطاع السياحة زيادة كبيرة خاصة في ظل وبعد احداث الثورة في كل من تونس ومصر'كأكبر بلدين سياحيين بالمنطقة' قدرت هذه الزيادة بنسبة 17' حسب تصريحات حكومية، والنسب في ذلك قابلة للارتفاع مادام منسوب الحراك العربي لا يزال ممتدا تصاعديا، وما دامت بعض خياراته السياسية تفرز توجهات مقلقة وغير داعمة للإستقرار الاقتصادي بالممنطقة.إذن فالمغرب بعنوان استقراره، كسب فوائد من دائرة 'المصائب' الاقليمية، بعنوان استقراره السياسي سيرفع قدر استقراره الاقتصادي والاستراتيجي، بعنوان استقراره أصبح لاول مرة في تاريخه، عنوانا ثقافيا 'تنظيمه لاول مرة لقمة المراة العربية'، وعنوانا رياضيا 'تقرر احتضانه لأول مرة ثاني أهم حدث رياضي مونديال الاندية 2013-2014'، كل ذلك في ديمومة تبقى ممتدة على المديين القريب والمتوسط.
لكن السؤال المطروح، إذا كان المغرب، بعيون المتابعين، قد حط عنه كل الأثقال وقطع أهم الاشواط السياسية بنجاح، فأين حط أثقاله؟ واين تجلى مكمن نجاحه؟
إن الذي جرى في 1 تموز/يوليو و25 تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2011، لم يكونا فقط محطة اختبار للعقد الاجتماعي بين النظام والشعب انتهت بتجديد 'شرعية' الأول و'مشروعية' الثاني، إنما الحدثين كانا بمثابة 'اغتيال أبيض' لأي حراك شعبي كان ويمكن ان يكون خارج قواعد ورقابة النظام المغربي. يقول جيف غودوين:'إن صندوق الاقتراع كفن الثوريين' وهي حقيقة معترف بها في الادبيات السياسية للشعوب التي عاشت تجربة الثورة وتعي جيدا حماسة التغيير وكيف يمكن أن تتحول ديمقراطية الصناديق سياسيا إلى دكتاتورية الخيارات قانونيا، كيفما كان السبيل اليها.
لقد أراد النظام المغربي في ذلك أن يبرهن على أطروحة أخرى، انه حتى الخيارات الثورية ونزعات التغيير التي شملت اجواء الوطن العربي، يمكن ان تقام من داخل أسواره، وأن اي مدا سياسي مهمى بدا يمكن للنظام أن يضطلع به في خضم خياراته، لذلك بتنا نسمح مصطلحات 'الثورة الفريدة' 'ثورة الملك والشعب المستجدة' التي أُريد لها ان تدل على مرونة بادية من النظام وإن كان دون مس بالتقاليد والاعراف السياسية للبلد، على مقولة 'موريس ماترليك': 'على مفترق كل طريق يؤدي إلى المستقبل، وضعت التقاليد 10.000 رجل لحراسة الماضي'.
وبالتالي مادامت هناك حكومة، تجمع بين 'الشعبوية' والواقعية السياسية، تسلمت الحكم من خلال تصويت شعبي أكان شفافا أم لا، بغض النظر، بلبوس قانوني دستوري جديد، فلايمكن الجنوح إلى أي خيار آخر غير انتظار أن يُستنفذ هذا الخيار، في مدة قد تكون كافية للقيام بتعديلات إما ان تكون لصالح الشعب فتُصالحه وإما في غير قنواته فتغبنه !
لكن في كل ذلك، قد تحتاج لتقوي موقعك إلى تغذيته بضعف خصمك، وهذا ما بدى جليا في مسار أهم حركة احتجاجية في المغرب 'حركة 20 من فبراير' والتي وإن كانت مقاصدها وأدوارها من الأهمية بحيث حركت ادراك وحراك الشارع المغربي بصورة غير مسبوقة، إلا أنها خدمت أجندة النظام المغربي، كما تخدم الجراثيم الضعيفة الجسد المقاوم! نعم لم تكن الحركة لتكون جراثيم تغيير حقيقية، لأنها حاصرت نفسها شكلا ومضمونا، الحصار الشكلي أو الرمزي كان حين لم تعمل على تغيير تقليدها الروتيني 'الخروج في أيام الأحد' ولا لترفع منسوب حضورها في الشارع بشكل تصاعدي،بل العكس ما حصل، منذ 20 فبراير وحماسها تنازلي والايمان بها كفكرة وخيار يقل يوما بعد يوم، بالشكل الذي بدت خرجاتها، خاصة في الشهور الاخيرة، وكأنها نوع من 'الفلكلور' أو 'الرياضة الشعبية' التي تفرض الرتابة وبالتالي القنوط فالنفور فيما بقي حصارها الموضوعي، أنها لم تستطع استقطاب الحركات والتيارات الاهلية الفاعلة والشخصيات العامة المثقفة الملتزمة والمشهود لها بالموضوعية لتغذي به مشروعية قضيتها، بل وكان الغلو في الذاتية اديولوجيا والقصور في قراءة سيكولوجية المواطن المغرب، سببا مباشرا في جعلها 'حركة متغربة' وإن في جذور وسطها المجتمعي.
لكن مع ذلك يبقى في النهاية، هذا الاستقرار رماديا، بل ولا معنى له، إن بقي المغرب يحتل مرتبة متأخرة عن الشفافية متقدمة في الفساد وفق احصاءات 2011، بلا معنى إن ظل في المغرب أكثر من 40' من الشعب اميا محروما من حقه في المستقبل، استقرارا غامضا، إن بقيت الحريات مقموعة، وخاصة حرية الراي والصحافة، والتي تشير الاحصائيات حول المغرب إلى نتائج مرعبة في القمع الاعلامي.. كل هذا وغيره من سلبيات التجربة المغربية يراد له أن يُزال، وإن ظل فإنما سيدل على أن الأثقال قد وضعت على كاهل المواطن المغربي وان تغييرا حقيقيا يشمل تفاصيل حياته لم يتحقق بعد، وأن ثمة خلاصة واحدة لهذا الاستثناء: إما ان النظام حقا استثناء أمام كل الانظمة العربية، او أننا أمام شعب يشكل حقيقة استثناء كل الشعوب العربية الثائرة.
--------
المصدر: جريدة القدس العربي - 6 يناير/ كانون الثاني 2012

الجمعة، 9 ديسمبر 2011

أي استبداد تسعى دونه الحكومة المغربية المرتقبة






القدس العربي- يونس الغايسي

لطالما كانت كلمة 'اسقاط الاستبداد' ، خفيفة على لسان القول ثقيلة على ميزان الفعل في صفحات التاريخ وتجارب الوقائع، فهي وإن كانت شعارا سياسيا تحمله المعارضة فيحملها بعد إلى سدة الحكم، في تقاطع وإرادة الشعب المريدة لكل تغيير، لا يزال التاريخ يذكرها كقناع يظهر ما لا يضمر، بلبوس سياسي، وجها آخر للإستبداد وإن كان بوجهة أخرى، مهما اختلفت، تبقى في غير مسرى قنوات الشعب.
ما خلا نظام سياسي قط من مظاهر استبداد، كما لم يكن حكرا على أي نمط او فلسفة حكم مجتمعية، سواء أكانت ديمقراطية أو دكتاتورية، شعبية أم أوليغارشية، ملكية أو جمهورية، علمانية أم اسلامية.. لعلها فطرة سياسية فُطرت المجتمعات عليها، قد لا يراد لها أن تزول حد الاسقاط، بل ربما تحتاج إلى أن نتعايش معها في محاولة لفهمها كظاهرة قبل تقويضها، كالجسد المتورمة اعضائه ، لا يحتاج إلى بترها لانه لو فعل فقد توازنه وفاعليته، بل ليحصرها ويشخصها أولا ومن ثمة يجد علاجا انسب إما بإضعاف المرض أو بجعله يصارع ذاته، مع تقوية أجهزة المناعة.
هذا ما يُراد للحكومة المغربية المرتقبة أن تفعله، مادامت من على ذات الشعار، أرادت تحقيق الأهم ليس فقط في كسب ثقة الصناديق، بل وفي جعل الرباط قائما بينها ومطالب الشارع الثورية الوازنة، التي لولاها لما تحققت شروط النجاح بصبغتها النغييرية البادية. ومادامت على لسان حزب العدالة والتنمية الحاكم، تجد في الاستبداد ومحاربة الفساد اولويتها السياسية والمجتمعية، وكأنه أول بنود هذا العقد الاجتماعي الجديد وأهم اختبار تستطيعه الحكومة اجتيازه بتوفيق لكسب معركة الثقة والأهلية لتمثيل التغيير، فأي استبداد ينبغي محاربته؟ وبأي قراءة أو تشخيص ستُقارب به الحكومة المقبلة هذه الظاهرة بالشكل الذي يحدث التغيير المنشود، ليس في صلب المؤسسة وحسب، بل وفي تفاصيل حياة المواطن المغربي؟
إن الذي يرى في الاستبداد وحسب، جور السلطان وتَغَوُّل الأعيان، سيذهب بعيدا في مسلسل التغييري عما هو منشود من لدن المواطن المغربي، الذي أضحى حاله كلوحة سيميائية تعبر بشكل جلي عن مدى أثر لطخات هذه الظاهرة، فالقضية ليست أن تستأثر بالحكم، بل أن تجلعه قابلا للإستئثار، وهذا مكمن حقيقة هذه الظاهرة، ومبلغ تغولها في صلب حياتنا المجتمعية. يقول عبد الرحمان الكواكبي في سفر 'طبائع الاستبداد' بما يدل على عمق القراءة الوازنة للظاهرة: 'لو أراد الاستبداد ان ينتسب لقال: أنا الشر وأبي الظلم وأمي الاساءة وأخي الغدر وأختي المسكنة، وعمي الضر، وخالي الذل، وابني الفقر وابنتي الحاجة، وعشيرتي الجهالة ومذهبي الالحاد ووطني الخراب'. الاستبداد هو ان تجد أكثر من 40' من الشعب المغربي غارقا في الامية 'وفق تقديرات اليونيسكو لسنة 2015'، كأبشع أنواع الاقصاء، من حياة المعرفة وبالتالي من الحياة العملية والسياسية، حينها يتحقق الاستبداد العضوي بإقصاء هذه الفئة، وبالتالي هدر هذه القدرات البشرية بل وتسليبها بالشكل الذي يجعل الاستئثار والتحكم فالتوجيه المتفرد امرا تلقائيا.
الاستبداد هو أن يظل المغرب في مؤشر حرية الاعلام والصحافة عالميا لسنة 2011، ضمن دول 'عديمي الحريات' محتلا مرتبة 141 عالميا من أصل 192، غارقا في التوجيه السياسي ومُبعدا عن خدمة فضايا الشعب التي تستحق أن تُثار وبها تظهر فاعلية الاعلام، في فضح الفساد والتحقيق في التلاعبات بالمال لعام، وإثارة الرأي العام في قضايا المواطن المعيشية والمصيرية، فما للإعلام من دور في رفع مكانة الأمم والتعجيل في مسلسل إصلاح قدراتها التنموية والسياسية كما تحكي تجاربها في النهوض، لبرهان على أن أي تغيير منشود لا يأخذ الاعلام كقناة تواصل شفافة بين مصلحة المواطن الحقة ومصالح الحكومة، إنما هو تغيير لصالح قواعد الاستبداد لا ضدها.
الاستبداد هو أن لا تجد الكفاءات ورش لإبداعاتها، والمؤسسات حَكامَة تُوجهها، والفقر دولة اجتماعية تُعينُ بالفُرصْ ولا تُعيلُ بالمِنحْ ، والمرفق الصحي شروط الاستشفاء، وطالب العلم مؤسسة ترفع من قدراته وتسقُلها، كل ذلك من معالم الاستبداد، وذاك كله يزيد من مهمة الحكومة، ويحيلها على طريق منهجي لمحاربة هذا السرطان الذي يعيش ولا يزال في جسد دولة القانون.
القانون بقدر ما كان حلا لمشكلاتنا الاجتماعية، بقدر ما شكل مشكلا في حد ذاته، حين تُأخذ مُقرراته بصورة مشوهة، وتفسيره بطريقة عابثة بأصله الوظيفي. يقول جون لوك الملهم الحقوقي المعروف 'يبدأ الاستبداد حين ينتهي القانون' فهذه هي المعادلة الصحيحة، في دولة الحق والقانون يستحيل أن يتغول الاستبداد، وإن كنا نقر بأوجه عدة لهذا الاستبداد فيه، فأكيد ثمة خطب ما في معالجتنا للقوانين، في تفسيرها وتطبيقها.
نحن في حاجة إلى منهج قانوني نعالج به الحق والالزام في مجتمعنا المغربي، فلم يكن في تاريخ المغرب الجديد المشكل مشكلل قانون، إنما في اعمال هذا القانون وتفسيره بما يخدم مصالح الشعب، وإن كان بيير بورديو يقول: 'أعطني مجتمعا أعطيك قانونه'، فلا يكفي هنا أن نحكم على الشعب المغربي أو حتى نُطمنه بدستور جديد متقدم في فلسفته الحقوقية، بل أن نحكم على هذا الدستور بحال المواطن المغربي، في التعليم أين وصل في الامية ونسبة الالتحاق بالمدارس والمعاهد؟ في الصحة، كم مقدار عائد المنفعة العامة للشعب من هذا القطاع لا بنسبة الانفاق؟ كيف تمضي مصالح المواطن في مؤسسة القضاء؟ ما منسوب الجريمة في هذا المجتمع؟ وأي مقاربة تُتخد لمواجهة هذه المعظلة؟ وما مدى المساحة الواقعية المخصصة للمواطن للمشاركة في تدبير الحياة العامة، سواء في إطار هيئات التشاور الاهلية، من على المنابر الاعلامية العمومية، وفي إطار المساهمة في اقتراحات تشريعية؟
و الأهم عمليا، أن لا نجعل روح الدستور وجسده القانوني رهين سلطة المقررات التنظيمية التي وإن كانت حاجة عملية لا ينبغي قانونا أن تُعطل او تُعارض روح قانون او مبدأ دستوري، فنقر الحق وننتظر بآجال مفتوحة ميقات تنظيمه ، بل ينبغي أن يبقى المبدأ ساريا عمليا ذو حجية في غياب أو حضور هذه المقررات، وبذلك في صالح المواطن فوق أي مصلحة أكانة اجرائية أم احترازية !
بموجب ما ذكر، تبقى مهمة محاربة الاستبداد وقائيا أهم من محاربة الفساد وإن كانا متصلين لا انفصال بينهما، إلا أن قضية الاستبداد تبقى أعمق وأقوى من الفساد، لكونها أولا موضوعية تهم القضايا لا الأشخاص المفسدين، وثانيا ترتبط بفلسفة الحكم المجتمعية، بالنظام وآلياته البنيوية والوظيفية. فإذا كان المفسد كفيلا بإفساد محيطه الضيق، سيكون عسيرا عليه إفساد دوائر أكبر، عكس الاستبداد الذي يفرض أنماطا تتماشى ونمطه، فتسع المجتمع كله، من بينها الفساد الذي يصير حينها، تحت الرعاية، مشاعا بشكل أقوى في المجتمع.
لذلك فمهمة محاربة الاستبداد ليست بالمهمة السهلة، فمنذ خروجه حيز التداول كأحد اهم المطالب المجتمعية الرئيسة للشارع المغربي، منذ 20 من شباط/فبراير 2011، وكأحد اهم الشعارات التي لا يزال المحتجون 'الفبراريين'، الشريحة المجتمعية العريضة، ينادون باستتبابها، وهو يحمل معاني كبيرة ضاربة في عمق حياة المواطن بكل تفاصيلها، وإقدام الحكومة على تحمل حجم هذا المطلب، لجرأة سياسية إن كانت تعي تماما تفاصيله المتشعبة، ولمغامرة سياسية فادحة، إن كانت لا تعي تماما عن أي استبداد هي في صدد الحديث عنه؟

الأحد، 27 نوفمبر 2011

ما يعنيه فوز الإسلاميين في الانتخابات المغربية


إن فوز حزب العدالة والتنمية الاسلامي بالانتخابات البرلمانية في مجموع الأصوات المشاركة كما المقاعد النيابية، و امكانية تشكيله للحكومة المغربية الجديدة وفقا لنص الدستور الجديد، نتيجة تبررها معطيات انتخابية بلغة الأرقام، سياسية بلغة التجارب و تموقع الحزب فيها، و أيضا إصلاحية بمنطق ضرورات اللحظة المجتمعية التي يعيشها المغرب في ظل مد ثوري عربي جارف.
فلغة الأرقام تشير حسب جل التقديرات أن الحزب سيحصد أكثر من 100 مقعد من أصل 395 المتبارى عليها، ما يؤهله ليقود الحكومة المقبلة في تحالف مع قوى محافظة، ويدخل بذلك اختبار الحكم بعد سنوات سياسية من على مقاعد المعارضة. وما يعزز هذه النتائج بحد ذاتها مرجعية تاريخية للحزب في اختبار الأرقام، حيث حل ثانيا في استحقاقات 2007 النيابية و أولا في عدد الأصوات ، و في انتخابات مجالس المدن الكبرى 2009 حل أولا في عدد المقاعد و الأصوات معا، ما يشير إلى أن للنتائج مسار سياسي منطقي، وللفوز دلالة على مدى شعبية الحزب بنزعاته الاسلامية لدى مجموع الناخبين المغاربة المشاركين، و إن كان ذلك في ظل هجر أغلبية الشعب لكافة مظاهر الحياة السياسية نتيجة احباط، له مرجعيات من وحي التجارب و تفاصيل تاريخ الوقائع.
لكن وإن كانت معالم الفوز ترتبط بتفاصيل سياسية شكلية كانت او موضوعية، تبقى دلالاته أكبر ، من على بيئة مجتمعية متنازع عليها من قبل تيارين أساسين ، التيار "العشريني" الشعبي الداعي لمقاطعة كل الاصلاحات، الذي يقود دعاوى التغيير في المغرب، وليد الحراك "الثوري" العربي و محاكيا له، وتيار الاصلاحي الذي اعلن عنه النظام في شخص الملك في خطاب 9 مارس وعنه تمخض دستور جديد بمقتضياته و انتخابات جديدة بأحزاب يراد لها أن تقود هذا الاصلاح وإن بتوجه اسلامي ، فما دلالات هذا الفوز الاسلامي في ظل بيئة سياسية مغربية وجلة؟ وهل لهذا النجاح ما يبرره بعيدا عن أي تقديرات بادية؟
طريق تغيير بلا ثورة
أول الرسائل السياسية التي سينجح النظام المغربي في تمريرها داخليا و دوليا، و إن تحقق ذلك سيكون نموذجا قابلا للتصدير عربيا، أن طريق التغيير، الأكثر وعورة، الذي سُلك في تونس و مصر و ليبيا، يمكن سلكه و الانتقال إليه بطريقة أكثر أمنا و عقلانية دون حاجة إلى الهدم بقدر ما الحاجة في الخلق و البناء، و بالتالي تُعزز اطروحة النظام بان الدولة المغربية هي استثناء و نموذج يتمتع بفرادته السياسية و قدرته على تجاوز الأزمات بآليات أكثر ثورية في حدود ديمقراطية.
و نجاح الاسلاميين في المغرب "العدالة و التنمية" كما النجاح المتحقق في تونس "حزب النهضة " ، فقط اختلفت المقدمات و تشابهت النتائج، و في النهاية احتكم إلى إرادة الشعب كغاية في حد ذاتها. لذلك يمكن القول ان التغيير لم يتحقق في قواعد الواقع المجتمعي المغربي، فشعبية الحزب معروفة قد لن تتغير كثيرا على أرض الواقع، بقدر ما تحقق التغيير في قواعد النظام المغربي و آلياته، حين وجد ان فكرة و سيناريوا فوز حزب العدالة و التنمية يمكن أن لا تكون فقط تأكيدا للديمقراطية المغربية، بل جزءا من مسلسل الإصلاح الذي يقوده النظام المغربي في مواجهة خصوم الداخل و تحديات الخارج، في ظل ربيع عربي لا يزال فصله السياسي ممتد.
الاسلاميون كحلقة في الاصلاح
حقيقة، وبغض النظر عن برامج حزب العدالة و التنمية الاسلامي ومنهج عمله، يبقى في الواقع حلقة في مسلسل اصلاح النظام و مؤسساته، المؤسس بدستور جديد للمملكة. وما الانتخابات كما يقر الجميع، إلا تتمة عملية لذاك التوجه النظري، وعقبة يجب اجتيازها و النجاح في تمثيلها وعليها يراهن النظام للإنتقال للمرحلة العملية من الإصلاح، بها يتم تنفيس الإحتقان المجتمعي، واسترجاع ثقة المواطن المغربي و حلمه، حتى وإن كان ثمن ذلك حكومة إسلامية لطالما كانت محط تحفظ من قبل النظام واستنكار من قبل الفرقاء السياسيين.
فالمتابع لموجة الإحتجاجات والاصلاحات التي شهدها المغرب في مستهل هذا العام، ابتداءا من محطتي 20 فبراير و9 مارس، وموقع حزب العدالة والتنمية في ذلك بحجمه السياسي، سيلحظ أن الأخير بمواقف كوادره و توجهاتها، اختار "لحكمة سياسية" مسلسل اصلاح النظام فجنح بثقله الكاريزماتي والتنظيمي في ترويج كل البرامج الاصلاحية للنظام ودعم توجهاته الجديدة، وكأنه يقدم أوراق اعتماده السياسي بانه أهل لإنجاح هذا المسعى، و أهل لقيادته على الساحة العملية حكوميا في ظل تكسر كل الرموز السياسية الأخرى التي لطالما كانت بديل أي توجه حكومي اسلامي.
ولعل هذه "الحكمة السياسية" التي لأجلها احتمل الحزب الاسلامي كل أنواع الشروط و التضييقات و حتى المساحات السياسية، و في سبيلها انخرط بقوة في دعم دولة المؤسسات وإمارة المؤمنين في قلب الملكية ومسلسل الإصلاح المغربي بفرادته العربية، آتت أكلها في انتخابات 25 نوفمبر، في معادلة قائمة على اعتماد رقمي متبادل، بين نظام يسعى للإصلاح و حزب إسلامي تتحقق في نجاحه شروط التغيير المنشودة، تكون قابلة للتصدير وطنيا وعربيا كما دولية، باعتبارها سيناريوا ناجح للثورة الانجح، دون الانزلاق في دعوات التيار المقابل الذي لا يزال يرى في فكرة "اسقاط الاستبداد" القواعد الحقيقية للتغيير بعيدا عن أي إصلاح يبقى في نظرهم صوري.
حساب التغيير الختامي
لكن من يظن أن التحدي قد انتهى والاختبار قد رفع، يكون مخطئا في حق المرحلة القادمة و في حجم جسامتها السياسية، ومن جزم في نجاح مستقبل عمل الحكومة وفي نجاعة الاصلاح يكون قد تسرع. فقانون المعارضة نظريا و في التجارب السياسية المغربية يضفي بقاعدته على أي حزب بفرص للنجاح اكثر من قاضي السلطة، فيما يبقى التحدي الأكبر الذي يواجه حكومة العدالة و التنمية أن تنجح في اختبار الحكم بشكل قياسي، فتكون بالتالي الرقم المعول عليه في معادلة التغير المغربية حتى تستوي و تمضي بالشكل الذي تقضيه توجهات النظام وتتحقق به آمال الناخبين.
وأي فشل قياسي في تحقيق التغيير المنشرود، سيكون كارثيا على الوضع السياسي المغربي من جانب الاصلاحيين، في مواجهة تيار حركة 20 فبراير، التي وان لم تشارك في العملية الانتخابية حد مقاطعتها، تبقى اطروحتها و بديلها السياسي متعاظما حتى في ظل هذا النجاح الاصلاحي، حين كانت ممثلة للأغلبية المغربية التي قاطعت الانتخابات، والتي لا تزال تراها سبيلا لا يقود إلى تغيير حقيقي.

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More