يونس

تجريبي

Pages

الأحد، 27 نوفمبر 2011

ما يعنيه فوز الإسلاميين في الانتخابات المغربية


إن فوز حزب العدالة والتنمية الاسلامي بالانتخابات البرلمانية في مجموع الأصوات المشاركة كما المقاعد النيابية، و امكانية تشكيله للحكومة المغربية الجديدة وفقا لنص الدستور الجديد، نتيجة تبررها معطيات انتخابية بلغة الأرقام، سياسية بلغة التجارب و تموقع الحزب فيها، و أيضا إصلاحية بمنطق ضرورات اللحظة المجتمعية التي يعيشها المغرب في ظل مد ثوري عربي جارف.
فلغة الأرقام تشير حسب جل التقديرات أن الحزب سيحصد أكثر من 100 مقعد من أصل 395 المتبارى عليها، ما يؤهله ليقود الحكومة المقبلة في تحالف مع قوى محافظة، ويدخل بذلك اختبار الحكم بعد سنوات سياسية من على مقاعد المعارضة. وما يعزز هذه النتائج بحد ذاتها مرجعية تاريخية للحزب في اختبار الأرقام، حيث حل ثانيا في استحقاقات 2007 النيابية و أولا في عدد الأصوات ، و في انتخابات مجالس المدن الكبرى 2009 حل أولا في عدد المقاعد و الأصوات معا، ما يشير إلى أن للنتائج مسار سياسي منطقي، وللفوز دلالة على مدى شعبية الحزب بنزعاته الاسلامية لدى مجموع الناخبين المغاربة المشاركين، و إن كان ذلك في ظل هجر أغلبية الشعب لكافة مظاهر الحياة السياسية نتيجة احباط، له مرجعيات من وحي التجارب و تفاصيل تاريخ الوقائع.
لكن وإن كانت معالم الفوز ترتبط بتفاصيل سياسية شكلية كانت او موضوعية، تبقى دلالاته أكبر ، من على بيئة مجتمعية متنازع عليها من قبل تيارين أساسين ، التيار "العشريني" الشعبي الداعي لمقاطعة كل الاصلاحات، الذي يقود دعاوى التغيير في المغرب، وليد الحراك "الثوري" العربي و محاكيا له، وتيار الاصلاحي الذي اعلن عنه النظام في شخص الملك في خطاب 9 مارس وعنه تمخض دستور جديد بمقتضياته و انتخابات جديدة بأحزاب يراد لها أن تقود هذا الاصلاح وإن بتوجه اسلامي ، فما دلالات هذا الفوز الاسلامي في ظل بيئة سياسية مغربية وجلة؟ وهل لهذا النجاح ما يبرره بعيدا عن أي تقديرات بادية؟
طريق تغيير بلا ثورة
أول الرسائل السياسية التي سينجح النظام المغربي في تمريرها داخليا و دوليا، و إن تحقق ذلك سيكون نموذجا قابلا للتصدير عربيا، أن طريق التغيير، الأكثر وعورة، الذي سُلك في تونس و مصر و ليبيا، يمكن سلكه و الانتقال إليه بطريقة أكثر أمنا و عقلانية دون حاجة إلى الهدم بقدر ما الحاجة في الخلق و البناء، و بالتالي تُعزز اطروحة النظام بان الدولة المغربية هي استثناء و نموذج يتمتع بفرادته السياسية و قدرته على تجاوز الأزمات بآليات أكثر ثورية في حدود ديمقراطية.
و نجاح الاسلاميين في المغرب "العدالة و التنمية" كما النجاح المتحقق في تونس "حزب النهضة " ، فقط اختلفت المقدمات و تشابهت النتائج، و في النهاية احتكم إلى إرادة الشعب كغاية في حد ذاتها. لذلك يمكن القول ان التغيير لم يتحقق في قواعد الواقع المجتمعي المغربي، فشعبية الحزب معروفة قد لن تتغير كثيرا على أرض الواقع، بقدر ما تحقق التغيير في قواعد النظام المغربي و آلياته، حين وجد ان فكرة و سيناريوا فوز حزب العدالة و التنمية يمكن أن لا تكون فقط تأكيدا للديمقراطية المغربية، بل جزءا من مسلسل الإصلاح الذي يقوده النظام المغربي في مواجهة خصوم الداخل و تحديات الخارج، في ظل ربيع عربي لا يزال فصله السياسي ممتد.
الاسلاميون كحلقة في الاصلاح
حقيقة، وبغض النظر عن برامج حزب العدالة و التنمية الاسلامي ومنهج عمله، يبقى في الواقع حلقة في مسلسل اصلاح النظام و مؤسساته، المؤسس بدستور جديد للمملكة. وما الانتخابات كما يقر الجميع، إلا تتمة عملية لذاك التوجه النظري، وعقبة يجب اجتيازها و النجاح في تمثيلها وعليها يراهن النظام للإنتقال للمرحلة العملية من الإصلاح، بها يتم تنفيس الإحتقان المجتمعي، واسترجاع ثقة المواطن المغربي و حلمه، حتى وإن كان ثمن ذلك حكومة إسلامية لطالما كانت محط تحفظ من قبل النظام واستنكار من قبل الفرقاء السياسيين.
فالمتابع لموجة الإحتجاجات والاصلاحات التي شهدها المغرب في مستهل هذا العام، ابتداءا من محطتي 20 فبراير و9 مارس، وموقع حزب العدالة والتنمية في ذلك بحجمه السياسي، سيلحظ أن الأخير بمواقف كوادره و توجهاتها، اختار "لحكمة سياسية" مسلسل اصلاح النظام فجنح بثقله الكاريزماتي والتنظيمي في ترويج كل البرامج الاصلاحية للنظام ودعم توجهاته الجديدة، وكأنه يقدم أوراق اعتماده السياسي بانه أهل لإنجاح هذا المسعى، و أهل لقيادته على الساحة العملية حكوميا في ظل تكسر كل الرموز السياسية الأخرى التي لطالما كانت بديل أي توجه حكومي اسلامي.
ولعل هذه "الحكمة السياسية" التي لأجلها احتمل الحزب الاسلامي كل أنواع الشروط و التضييقات و حتى المساحات السياسية، و في سبيلها انخرط بقوة في دعم دولة المؤسسات وإمارة المؤمنين في قلب الملكية ومسلسل الإصلاح المغربي بفرادته العربية، آتت أكلها في انتخابات 25 نوفمبر، في معادلة قائمة على اعتماد رقمي متبادل، بين نظام يسعى للإصلاح و حزب إسلامي تتحقق في نجاحه شروط التغيير المنشودة، تكون قابلة للتصدير وطنيا وعربيا كما دولية، باعتبارها سيناريوا ناجح للثورة الانجح، دون الانزلاق في دعوات التيار المقابل الذي لا يزال يرى في فكرة "اسقاط الاستبداد" القواعد الحقيقية للتغيير بعيدا عن أي إصلاح يبقى في نظرهم صوري.
حساب التغيير الختامي
لكن من يظن أن التحدي قد انتهى والاختبار قد رفع، يكون مخطئا في حق المرحلة القادمة و في حجم جسامتها السياسية، ومن جزم في نجاح مستقبل عمل الحكومة وفي نجاعة الاصلاح يكون قد تسرع. فقانون المعارضة نظريا و في التجارب السياسية المغربية يضفي بقاعدته على أي حزب بفرص للنجاح اكثر من قاضي السلطة، فيما يبقى التحدي الأكبر الذي يواجه حكومة العدالة و التنمية أن تنجح في اختبار الحكم بشكل قياسي، فتكون بالتالي الرقم المعول عليه في معادلة التغير المغربية حتى تستوي و تمضي بالشكل الذي تقضيه توجهات النظام وتتحقق به آمال الناخبين.
وأي فشل قياسي في تحقيق التغيير المنشرود، سيكون كارثيا على الوضع السياسي المغربي من جانب الاصلاحيين، في مواجهة تيار حركة 20 فبراير، التي وان لم تشارك في العملية الانتخابية حد مقاطعتها، تبقى اطروحتها و بديلها السياسي متعاظما حتى في ظل هذا النجاح الاصلاحي، حين كانت ممثلة للأغلبية المغربية التي قاطعت الانتخابات، والتي لا تزال تراها سبيلا لا يقود إلى تغيير حقيقي.

0 comments:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More