يونس

تجريبي

Pages

الأحد، 8 سبتمبر 2013

ليست هناك طريقة مثلى لقتل الشعب السوري !




في السابع والعشرين من شهر اب/أغسطس من هذا العام، ظهر ممثل سورية الدائم في الأمم المتحدة د. بشار الجعفري في 
برنامج الإذاعة السورية ‘دومينو السياسة’، متحدثا بتفصيل عما يجري الإعداد له أمميا من مساع دبلوماسية لحشد دعم دولي للحملة المعتزم القيام بها ضد النظام السوري. وكشخص، كما يبدو دائما، واثقا من مصادره المعلوماتية ومطلعا بالممارسة على خبايا العمل الدبلوماسي، قابضا بإحكام على وجهة مساراتها، فقد أفاض في حديثه للقناة وعموم متابعيها عن مدى إفلاس القيم الأخلاقية في العمل السياسي للدول الكبرى، المحاضرة اليوم في شأن الالتزام بالمواثيق الدولية في حملتها ضد النظام السوري في شبهة استخدامه للعوامل الكيميائية أثناء مجهوده العسكري ضد المعارضة، وهي التي، والحديث انسحب على الولايات المتحدة أساسا، لم تفصح للمجتمع الدولي عن نية الالتزام بمعايير تطالب غيرها بالالتزام بها، على أساس أن الولايات المتحدة، لم تصادق بعد على معاهدة حظر الأسلحة الكيميائية لسنة 1993.
كثير مما قاله السفير عن سياسة الكيل بمكاييل متغيرة الضوابط، التي تقارب بها الدبلوماسية الدولية أزمات العالم، صائب لا جدال فيه، لكن كثيرا من النقاط التي حشرها في خطابه الدعائي ضد الموقف الأمريكي الجاري ضد النظام الممثل له، لا تعدو أن تكون فبركة على طريقة دبلوماسية لا يحظر توصيفها أي توان في اعتبارها ساذجة المأخذ.
على عكس ما ذكر السفير، فالولايات المتحدة وقعت على اتفاقية حظر استخدام الأسلحة الكيميائية، منذ عرضها على الدول قصد الانضمام سنة 1993، واستغرق الأمر منها 4 سنوات لتقرر المصادقة عليها، وبالتالي دخولها، وهذا الميثاق في رابطة دولية التزامية سنة 1997، عكس سورية، إلى جانب بعض الدول الأخرى كمصر وإسرائيل، التي لم توقع بالأصل على الصك الدولي إلى الآن. لكن ما ينبغي أن يكون معلوما للجعفري والكثيرين، أن الولايات المتحدة بقدر ما كانت صاحبة اليد البيضاء في تقديم مشروع قانون هذه المعاهدة، والمساهمة في تأسيس هيئتها الدولية التي تحمل اسم ‘منظمة حظر الأسلحة الكيماوية’، التي يقع مقرها في لاهاي، كانت وفي المقابل صاحبة التاريخ الأسود، كغيرها من الدول الكبرى، في استخدام السلاح الكيماوي في مجهودها الحربي ضد شعوب أمم كثيرة، كما في العبث باختصاصات المؤسسة الأممية ذات الصلة والسعي الدؤوب إلى السيطرة على منافذ ومخارج صناعة القرار بها، من دون أن يستوجب ذلك إدانة وامتعاض المجتمع الدولي.
لا يتعلق الأمر هنا بسعي نحو التشويش على مشهد قادم يبدو لدى الكثيرين بسيطا لا يتطلب إلا حملة عسكرية، كما أُعلن عنها مؤخرا، تسرع من وتيرة معركة الحسم في سورية وتطوي معها، ما يَنتظر الشعب السوري من أيام عصيبة على طول امتدادها، أو بالسعي نحو إضفاء قتامة أخرى على سيناريو مقبل يُتخوف من أن يساهم في خلط أوراق الصراع من جديد، على نحو خارج توقع أطرافها. إنما الأمر متعلق هنا وعلى وجه الأساس، بتحجيم هذه الالتفافة الأممية ووضعها في مقاسها الحقيقي إنسانيا، والتي لم تأخذ من جانب أطرافها صنوف الإهانة التي تعرض لها كل ما هو ‘إنساني’ في النزاع السوري، محمل الجد والقلق، إلا حين دخول أسلحة الدمار الشامل في مساراتها الدامية.
فلدى الولايات المتحدة كدولة داعمة للتدخل، التي يذكر التاريخ استخدامها للسلاح الكيماوي بتطرف في حروب طويلة خاضتها في فيتنام ولاوس وبنما ثم كوبا وصولا إلى العراق، أو دولة كروسيا المعارضة له، التي استخدمت ذات السلاح في جبهات عدة، كان آخرها في مأساة مسرح دوبروفكا (2002) أثناء عملية تحرير رهائن روس من قبضة مقاتلين شيشانيين، لدى دول كهذه، من الاعتيادي أن يموت ما يزيد عن 100 ألف شخص، من جراء حرق حراري تقليدي، من دون أن تُصعد المواقف، لكن الشيء الجسيم جدا لديها أن يموت عدد يتراوح تقديريا بين 500 وألف شخص من جراء استنشاق غازات سامة، لتهتز مواقفها على نحو تصعيدي. فالمسألة تقديريا لدى الدول الكبرى، لا تتعلق بكم المعاناة بل بكيفيتها، ويظهر مقت هذا التمييز حين يتكشف في ترجمته العملية، بانه يعني في أساسه، التدخل لحماية الأمن الإستراتيجي القومي للدول المتدخلة، لا الأمن الإنساني للشعب السوري.
فلم تكن الدول الغربية لتفكر في تجاوز ولاية مجلس الأمن الدولي، حتى لو راح الملايين من السوريين ضحية حروق الأسلحة التقليدية، لأنها في النهاية أسلحة محدودة النطاق، ويكفيها بذلك أن تقتصر على قتل من بالداخل السوري، حتى لا يعيد المجتمع الدولي النظر في خياراته الرتيبة تجاه استخدامها المفرط، لكن حين يتعلق الأمر بأسلحة الدمار الشامل فالمسألة مختلفة، للتباين الحاصل في نطاق أثرها، الذي يمكن أن يمتد على نحو أكيد ليهدد الأمن والمصالح الإقليمية – القومية للدول المتدخلة، وليس بالضرورة لأن استخدامها ضد المدنيين عمل ‘جسيم في لاأخلاقيته’ كما عبر عن ذلك مسؤولون غربيون.
فلو كان ما هو أخلاقي وازع إلى هذه الدرجة، لما انتظر المجتمع الدولي ما يقارب العامين ليقرر عقاب النظام السوري على ‘جرائم ارتكبها’، راح من جرائها آلاف الضحايا. فليس ثمة في النهاية طريقة مثلى لتدمير الحياة البشرية، ولا مواقف قياسية للحديث عما هو غير أخلاقي أو جسيم في ذلك، حتى يتعاطى المجتمع الدولي مع العذابات الإنسانية للشعب السوري بهذه الانتقائية، بغض النظر عن سببها، أكانت من جراء سلاح تقليدي أو آخر للدمار الشامل.
إنه مع أي حملة عسكرية قادمة على سورية، ستتضح على نحو جلي هذه النقطة المُتحدت عنها، وسيتضح معها حجم تلك الهوة (اللاأخلاقية) الحاصلة بين الحرص على الأمن الإنساني للشعب السوري والحرص على الأمن القومي للدول المتدخلة، على نحو فعلي بعيدا عن إنشائيات السياسية وفصل خطابها التنميقي. وكيف يمكن، إن لم تقدم الدول المتدخلة ضمانات جدية على محدودية وانتقائية عملها العسكري القادم، أن تكون مجزرة الغوطة الشرقية، حادثا غير ذي ذكر مع حجـــم الكــــارثة التي يمـــكن أن يولدها عمل دولي غير مسؤول على الأراضي السورية.
إن مع السعي إلى وضع المصلحة القومية للدول المتدخلة في الحرب القادمة في صدارة الأولويات، كما عبر عن ذلك الرئيس أوباما مؤخرا، ومن بعده نظيره الفرنسي في تبرير عزم بلادهم توجيه ضربة لسورية، أن يعني تلقائيا تموقع الاعتبارات الإنسانية للشعب السوري في درجة صفرية. ومع تدخل سيكون على شاكلة حملة جوية، فمعنى ذلك أن تؤدي عمليات القصف الاستراتيجي قبل كل شيء إلى تدمير المنشآت المدنية والصناعية، من دون أن تضرّ بالقدرات العسكرية للدول المتدخلة. ومع ما تفرضه قواعد غالبية القوات الجوية المشاركة في الحملة، ممارسة القصف من علو شاهق (أعلى من 5 آلاف متر ) حماية للطيارين من الدفاعات الأرضية، فمن الوهم معها التمييز من هذا العلو بين المدنيين والعسكريين، أو التدقيق في الضربات التي ستستهدف المراكز المفترض أنها منشآت صناعية تابعة للنظام السوري لإنتاج أو تخزين العوامل الكيميائية. 
وعنده سيكون من الكافي أن تستخدم الدول المتدخلة أسلحة تقليدية في تدمير تلك المواقع الصناعية الخطرة، في ظروف الحملات الدولية الصارمة، لتحدث كارثة كيميائية أخرى لن يُذكَر مع جسامتها كل تاريخ استخدام هذا السلاح بالأراضي السورية بطول فتراته، على شاكلة النتائج الكارثية التي شهدها عراق اليوم منذ قصف القوات الدولية سنة 1991 لموقع ‘التاجي’ للأسلحة الكيميائية، وصربيا عام 1999 حين قصف حلف الناتو مجمعاتها البتروكيماوية في ‘بنسيفو’، محررة بذلك مواد شديدة ‘السّمية’ في الهواء، كان لها أبلغ الأثر على بيئتها الطبيعية والبشرية على سواء.
إن الحديث عن شن حملة عسكرية محدودة لتجفيف منابع السلاح الكيماوي حماية للمدنيين السوريين، شبيه بالحديث عن حدث القاء قنبلة في مستودع للمتفجرات بموقع مأهول واللوذ بالفرار. هذا ما يدركه الغرب تماما ولا يريد الاعتراف به في سعيه لحشد الدعم لتوجيه ضربات داخل سورية، فالكل من منطلق أمنه القومي مستعد للذهاب أبعد من الدماء السورية لأجل خلاصه، وما بقي لهذا الشعب الجريح ليرثي إنسانيته بصدق، إلا أصوات لطالما آمنت بأن الحل السياسي السلمي من جميع الأطراف هو الكفيل بإنهاء فصول الصراع والدماء والضياع المتعاقبة على سورية، وكثير منها من لم يسعه إلا أن يعيش معه تجربة الضياع في ظل حجم الاستقطاب السياسي حول مشهده، لكن تظل داعية إليها بالنظرة إلى المستقبل من الأيام وما يمكن أن تحمله معها من مآس كثيرة قد تصل بالأزمة السورية، كما هو شأن المرتقب من الحملة، إلى نقطة اللاعودة، تزف فيها، مع وحشيتها ولا مسؤوليتها، كل أحلام المتخاصمين إلى مثواها الأخير. 

0 comments:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More